فصل: فوائد مهمة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.البحث الرابع: في حد العلم:

الأشعري: العلم ما يعلم به. وربما قال: ما يصير الذات به عالمًا. القاضي: العلم معرفة المعلوم على ما هو عليه. القفال: إثبات المعلوم على ما هو به والكل دائر.
المعتزلة: هو الاعتقاد المقتضي لسكون النفس. الفلاسفة: صورة حاصلة في النفس مطابقة للمعلوم، ولا يخفى خروج علم الله تعالى عنهما فإنه لا يطلق هناك النفس، وفيه مفاسد أخر يطول ذكرها هاهنا، وعند كثير من المحققين: هو بديهي. وقيل: أصح الحدود، صفة توجب تمييزًا لا يحتمل النقيض. والحق في هذا المقام هو أن نسبة البصيرة إلى مدركاتها كنسبة البصر إلى مدركاته، فكما أن للبصر نورًا كل ما يقع في ذلك النور فهو مدركه، فكذا للبصيرة نور كل ما يقع فيه فهو مدركها. ولا يدرك حقيقة هذا النور، إلا من له نور {ومن لم يجعل الله له نورًا فما له من نور} [النور: 40] وهكذا إدراكات جميع الأنوار حتى نور الأنوار، وكلما ازدادت النفس نورية وشروقًا ازداد انبساطها فيقع فيها المعلومات أكثر، وهكذا يكون الحال في كل مستكمل. أما إذا كان العالم بحيت تكون كمالاته الممكنة له موجودة معه بالفعل، فلا تزداد نوريته، ولا يتجاوز مرتبته في العلم {وما منا إلا له مقام معلوم} [الصافات: 164] ثم إن كان التكمال والنور بحيث لا يمكن أكمل منه ولا أنور، كان جميع الأشياء واقعة في نوره، بل يكون نوره نافذًا في الكل متصرفًا فيها محيطًا بها أزلًا وأبدًا {ولا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء} [سبأ: 3] وههنا أسرار أخر لا يجوز التعبير عنها لعزتها يتفطن لبعضها من وفق لها من أهلها.

.البحث الخامس في ألفاظ تقرب من العلم:

الأول: الإدراك، وهو الوصول لأن القوة العاقلة تصل إلى حقيقة المعقول.
الثاني: وهو إدراك بغير استثبات وهو أول مراتب وصول المعقول إلى القوة العاقلة ولهذا لا يوصف به الله تعالى.
الثالث: التصور مشتق من الصورة، فكأن حقيقة المعقول حلت في العاقلة حلول الشكل في المادة.
الرابع: الحفظ وذلك إذا استحكمت الصورة في العاقلة بحيث لو زالت لتمكنت من استرجاعها.
الخامس: التذكر وهو محاولة استرجاع الصورة المحفوظة، وإنه بالحقيقة التفات النفس إلى عالمها.
السادس: الذكر وهو وجدان الصورة بعد محاولة استرجاعها، ولا محالة يكون مسبوقًا بالزوال: قال الشاعر:
الله يعلم أني لست أذكره ** وكيف أذكره إذ لست أنساه

ويوصف القول بأنه ذكر لأنه سبب حضور المعنى في النفس قال عز من قائل: {إنا نحن نزلنا الذكر} [الحجر: 9].
السابع: المعرفة وقد اختلفوا في تفسيرها. فمن قائل إنها إدراك الجزئيات، والعلم إدراك الكليات. ومن قائل إنها التصور والعلم هو التصديق، وجعل العرفان أشرف من العلم لأن تصديقنا باستناد هذه المحسوسات إلى موجود واجب الوجود أمر معلوم بالضرورة، وأما تصور حقيقته فأمر وراء الطاقة البشرية، وقال بعضهم: من أدرك شيئًا وانحفظ أثره في نفسه، ثم أدرك ذلك الشيء ثانيًا وعرف أن هذا المدرك الذي أدركه ثانيًا هو الذي كان قد أدركه أولًا، فهذا هو المعرفة.
والنفس قبل البدن كانت معترفة بالربوبية إلا أنها في ظلمة العلاقة البدنية قد نسيت مولاها، فإذا تخلصت من قيد العلاقة عرفت ربها وعرفت أنها كانت عارفة.
الثامن: الفهم وهو تصور الشيء من لفظ المخاطب، والإفهام هو إيصال المعنى باللفظ إلى فهم السامع.
التاسع: الفقه وهو العلم بغرض المخاطب من خطابه قال تعالى: {لا يكادون يفقهون حديثًا} [النساء: 78] أي لا يقفون على المقصود الأصلي من التكاليف.
العاشر: العقل وهو العلم بصفات الأشياء من حسنها وقبحها وكمالها ونقصانها ونفعها وضرها حتى يصير مانعًا من الفعل مرة، ومن الترك أخرى، فيجري ذلك مجرى عقال الناقة. ومن هنا قيل: هو العلم بخير الخيرين وشر الشرين، والعاقل من عقل عن الله أمره ونهيه.
الحادي عشر: الدراية وهي المعرفة الحاصلة بضرب من الحيلة، وهي ترتيب المقدمات فلا يصح إطلاقها عليه تعالى.
الثاني عشر: الحكمة وهي اسم لكل علم حسن وعمل صالح، وهو بالعلم العملي أخص منه بالعلم النظري، وفي العمل أكثر استعمالًا منه في العلم، وقيل: هي الاقتداء بالخالق سبحانه بقدر القوة البشرية، وذلك أن يجتهد أن ينزه علمه عن الجهل، وعدله عن الجور، وجوده عن البخل وحلمه عن السفه.
الثالث عشر: علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين. فعلم اليقين ما كان من طريق النظر والاستدلال، وعين اليقين ما كان من طريق الكشوف والنوال، وحق اليقين ما كان متحقق الانفصال عن لوث الصلصال بوروده رائد الوصال.
الرابع عشر: الذهن وهو قوة النفس على اكتساب الحدود والآراء.
الخامس عشر: الفكر وهو انتقال النفس من التصديقات الحاضرة إلى التصديقات المستحضرة. وقيل: إنه يجري مجرى التضرع إلى الله تعالى في استنزال العلم من عنده.
السادس عشر: الحدس وهو قوة للنفس بها يهتدي بسرعة إلى الحد الأوسط في كل قياس.
السابع عشر: الذكاء وهو شدة هذا الحدس وبلوغه الغاية القصوى، من ذكت النار اشتعلت.
الثامن عشر: الفطنة وهي التنبه لشيء قصد تعريضه كالأحاجي والرموز.
التاسع عشر: الخاطر وهو حركة النفس نحو تحصيل حق أو حظ.
العشرون: الوهم وهو الاعتقاد المرجوح وقد يقال: إنه الحكم بأمور جزئية غير محسوسة لأشخاص جزئية كحكم السخلة بصداقة الأم وعداوة الذئب.
الحادي والعشرون: الظن وهو الاعتقاد الراجح فإن كان عن أمارة قوية قبل ومدح وعليه مدار أكثر أحوال العالم، وإن كان عن أمارة ضعيفة ذم {إن بعض الظن إثم} [الحجرات: 12].
الثاني والعشرون: الخيال وهو عبارة عن الصورة الباقية عن المحسوس بعد غيبته، وما كان من ذلك في النوم قد يخص باسم الطيف.
الثالث والعشرون: البديهة وهي المعرفة الحاصلة للنفس ابتداء لا بتوسط الفكر مثل: الكل أعظم من الجزء، وقد يقال لها الأوليات.
الرابع والعشرون: الروية وهي ما كان من المعارف بعد فكر كثير.
الخامس والعشرون: الكياسة وهي تمكن النفس من استنباط ما هو أنفع ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت».
السادس والعشرون: الخبر وهو معرفة تحصل بطريق التجربة وجدت الناس اخبر تقله.
السابع والعشرون: الرأي وهو إجالة الخاطر في المقدمات التي يرجى منها إنتاج المطلوب، وقد يقال للقضية المستنتجة من الرأي رأي، والرأي للفكرة كالآلة للصانع، ولهذا قيل: إياك والرأي الفطير.
الثامن والعشرون: الفراسة وهي اختلاس المعارف من فرس السبع الشاة. فضرب منها يحصل للإنسان من باطنه، ولا يعرف له سبب الإصغاء جوهر الروح وهو شبه الإلهام، وإياه عنى النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «إن في أمتي لمحدثين وإن عمر منهم» وقد يسمى النفث في الروع، وضرب يحصل بالاستدلال من الأشكال الظاهرة على الأخلاق الباطنة. وقيل: {أفمن كان على بينة من ربه} [هود: 17] إشارة إلى الأول {ويتلوه شاهد منه} [هود: 17] إلى الثاني والله أعلم. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
قوله تعالى: {قَالَ يا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائهِمْ}.
من آثار العناية بآدم عليه السلام أنَّه لمَّا قال للملائكة: {أنبئوني} دَاخَلَهُم من هيبة الخطاب ما أخذهم عنهم، لاسيما حين طالَبَهم بإنبائهم إياه ما لم تُحِطْ به علومهم. ولما كان حديث آدم عليه السلام ردَّه في الإنباء إليهم فقال: {أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ} ومخاطبة آدم عليه السلام الملائكة لم يوجب له الاستغراق في الهيبة. فلما أخبرهم آدم عليه السلام بأسماء ما تقاصرت عنها علومهم ظهرت فضيلته عليهم فقال: {أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّى أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ} يعني ما تقاصرت عنه علوم الخَلْق، وأعلم ما تبدون من الطاعات، وتكتمون من اعتقاد الخيرية على آدم عليه السلام والصلاة.

.فصل: لطيف صنع الله تعالى بآدم عليه السلام:

ولمَّا أراد الحق سبحانه أن يُنَجِيَ آدمَ عصمهِ، وعلَّمه، وأظهر عليه آثار الرعاية حتى أخبر بما أخبر به، وحين أراد إمضاء حكمه فيه أدخل عليه النسيان حتى نَسِيَ في الحضرة عهده، وجاوز حدَّه، فقال الله تعالى: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِىَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} [طه: 115] فالوقت الذي ساعدته العناية تقدم على الجملة بالعلم والإِحسان، والوقت الذي أمضى عليه الحكم ردَّه إلى حال النسيان والعصيان، كذا أحكام الحق سبحانه فيما تجري وتمضي، ذلَّ بحكمه العبيد، وهو فعَّال لما يريد.

.فصل: التفاضل بين الخلق وبعضهم:

ولمَّا توهموا حصول تفضيلهم بتسبيحهم وتقديسهم عرَّفهم أن بِساط العز مقدس عن التجمل بطاعة مطيع أو التدنس بزلة جاحد عنيد، فَرَدُّهم إلى السجود لآدم أَظهرَ الغَنَاء عن كل وفاق وخلاف. اهـ.

.فوائد مهمة:

قال ابن عطية: قوله تعالى: {أعلم غيب السماوات والأرض} معناه ما غاب عنكم لأن الله لا غيب عنده من معلوماته.
واختلف المفسرون في قوله تعالى: {ما تبدون وما كنتم تكتمون}:
فقالت طائفة: ذلك على معنى العموم في معرفة أسرارهم وظهورهم وبواطنهم أجمع، وقيل ما أبدوه بدارهم بالسجود لآدم. اهـ.
فائدة الستر على قسمين: ستر عن المعصية وستر فيها. فالعامة يطلبون من الله تعالى الستر فيها خشية سقوط مرتبتهم عند الخلق والخاصة يطلبون من الله الستر عنها خشية سقوطهم من نظر الملك الحق يعني: أن العامة يطلبون الستر في المعصية خوف اطلاع الناس عليهم فهم {يَسْتَخْفُونَ مِنْ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنْ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ} [النساء 108]. قال ابن عباس في قوله تعالى: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} غافر (19). هو الرجل يكون في القوم فتمر به المرأة فيريهم أنه يغض بصره عنها فإذا رأى من القوم غفلة لحظ إليها. وهذا شأن المرائين الذين يستخفون بنظر الجبار ويهابون الناس أن يطلعوا عليهم فيما يرتكبونه من الأوزار. وأما الخاصة فهم يطلبون من الله الستر عنها بأن يجعل بينهم وبينها حاجبًا حتى لا تخطر بقلوبهم خشية سقوطهم من نظر الملك الحق. وإلى هذا المعنى أشار أبو الحسن الشاذلي في دعائه بقوله: اللهم إنا نسألك التوبة ودوامها ونعوذ بك من المعصية وأسبابها وذكرنا بالخوف منك قبل هجوم خطراتها واحملنا على النجاة منها ومن التفكر في طرائقها.
من أكرمك فإنما أكرم فيك جميل ستره فالحمد لمن سترك ليس الحمد لمن أكرمك وشكرك.
أي من أكرمك من العباد بعطاء أو محبة فإنما أكرم فيك جميل ستره تعالى أي ستره الجميل عليك فإنه لولا جميل ستره ما نظروا بعين الرضا إليك بل لو نظروا إلى ما فيك من العيوب لاستقذروك ونفروا منك وطرحوك. فلا تعبثك رؤية إكرام الخلق لك لجهلهم بعيبك على حمدهم على ذلك دون حمد ربك فتضع الحمد في غير موضعه فإن الحمد لا ينبغي أن يكون إلا لمن سترك ليس الحمد لمن أكرمك وشكرك. وإنما تحمده من حيث إجراء الخير على يديه فقط لا من حيث إنه المكرم الحقيقي إذ ليس ذلك إلا الله. قال تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْ اللَّهِ} النحل (53).

.من فوائد ابن عرفة في الآية:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {قَالَ يا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائهِمْ}.
قال ابن عرفة: إذا قدّم النداء على الأمر فيكون المراد تنبيه المخاطب واستحضار ذهنه لما يلقى إليه، وإن قدم الأمر على النداء كان ذلك دليلا على تأكيد طلبه وأنه هو الاسم المقصود كما ورد في الحديث الصحيح في غزوة بدر لما برز من صف المشركين عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة وطلبوا أن يكون المباشر لهم بالقتال مثلهم من بني عمّهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «قم يا حمزة، قم يا علي، قم يا عبيدة بن الحارث» وكذلك في حديث الأنصار حيث قام منهم خطيب فقال النّبي صلى الله عليه وسلم: «قل يا أبا حية».
قوله تعالى: {فَلَمَّا أَنبَأَهُم بِأَسْمَائهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ}.
فإن قلت: هلاّ قيل: فأنبأهم بأسمائهم.
فقال: {أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ} الآية؟
قلت: الجواب ما قال بعضهم: من أن حكمته الإشعار بترتيب المجازات على الفعل فيؤخذ منه جواز الثناء على الإنسان بما فيه من المحاسن لكن في غيبته لئلا يقع في نفسه كبر وعجب وإن كان الإنسان هنا سالما من ذلك.
قال الطيبي: ويؤخذ من الآية أن علم اللغَة والحِكْمة أفضل من علم العبادة فضلا عن علم الشريعة لأن آدم عليه السلام فضل على الملائكة لاختصاصه بعلم الأسماء وهذا راجع إلى حفظ اللغة وهم لم يحتجوا إلا بكمال التسبيح والتقديس.
فقال ابن عرفة: إنّما يؤخذ منه أن علم اللّغة له فضل وشرف لا أنه أفضل من العبادة.
قال ابن عطية: قال بعض العلماء في قوله تعالى: {فَلَمَّا أَنبَأَهُم بِأَسْمَائهِمْ} نبوءة لآدم عليه السلام إذ أمره الله أن ينبيء الملائكة بما ليس عندهم من علم الله عز وجل.
وكذا قال ابن الخطيب: إنّه احتجّ بها من قال: إنّ آدم عليه السلام رسول، ورد هذا بوجوه:
الأول: قال الفخر الرازي: الأنبياء معصومون وهو قد أهبط بعد ذلك من الجنة لأكله من الشجرة فلا يصح كونه رسولا.
الثاني: قال ابن عرفة: الرسول مأمور بتبليغ التكاليف لأمته، والملائكة ليسوا مكلفين بإجماع، وأيضا فالتبليغ إنما هو مع الغيبة والله تعالى خاطب الملائكة خطاب مشافهة فلا فائدة في الإرسال إليهم.
قوله تعالى: {قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إني أَعْلَمُ غَيْبَ السماوات والأرض وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ}.
قال ابن عرفة: كان الشيخ ابن عبد السلام رحمه الله تعالى يقول في هذه الآية الكريمة: إنه لم يتقدم في الآية التي قبلها أنه قال لهم هذا لأن المتقدم إنما هو {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدماء} إلى قوله: {تعلمونَ} قال الشيخ ابن عبد السلام: ينبغي عندي أن يوقف عند قوله: {أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ} أي أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ.
ثم يبتدئ: {إني أَعْلَمُ غَيْبَ السماوات والأرض}؟
قلت: والظاهر عندي أن الوقف عند قوله: {غَيْبَ السماوات والأرض} لأنّ {غَيْبَ السماوات والأرض} لا يعلمونه هم فكأنه قال: إِنّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ويبتدئ {وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ} لأن هذا لا يتسلط عليه القول إذ لم يقله لهم أصلا.
قوله تعالى: {مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ}.
قال ابن عرفة: عادتهم يوردون هنا سؤالا مذكورا في جنس الائتلاف وهو: لِمَ جَاءَ هذا هكذا مع صلاحية الأربعة أوجه إمّا حَذْف كان من الفعلين، أو ذكرهما فيهما معا أو ذكرها مع الأول دون الثاني، أو العكس.
فلم اختص اختص بها الثاني دون الأول؟
قال: وتقدم لنا الجواب عنه بأنه قصد بالعطف التسوية بين علم الله تعالى الظاهر والخفي كما في قوله تعالى: {مَالِ هذا الكتاب لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا} وعلم الأمر الظاهري في الحال أقرب من علم ما كان ماضيا في الباطن وجهل الأمر الماضي الخفيّ أشدّ من جهل الأمر الحالي الخفي فقرن علمه الظّاهر الّذي في أعلى درجات الجلاء والوضوح بعلمه الأمر الخفي الباطن الذي في أنهى درجات الخفاء إشارة إلى استواء علمه فيهما، وأنه ليس بينهما عندي في ذلك تفاوت بوجه فلذلك قرنت كان ب {تَكْتُمُونَ} دون {تُبْدُونَ}.
قيل لابن عرفة: ولو قصد التّسوية لبدأ {بِمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ} لأن معرفة الخفي يستلزم معرفة الجلي، فلا تكون للعطف فائدة إلا التسوية وأما الآن فالعطف تأسيس وفائدة ظاهرة.
قال ابن عرفة: جاء هذا على الأصل فلا سؤال فيه. اهـ.